حيدر اللواتي – لوسيل
المصالحة الخليجية سوف تسفر عن تحقيق مزيد المصالح بين أبناء دول المجلس الذين أصبحوا اليوم يطالبون بضرورة إيجاد مؤسسة مثل «مجلس الشورى الخليجي» على غرار المجلس الأوروبي بحيث تكون قراراته وبياناته ملزمة للحكومات والشعوب الخليجية. وهذا يعني بأن لا تقتصر اتخاذ القرارات خاصة تلك التي تهم المصالح الخليجية على المؤسسات الحكومية فحسب، بل يكون للمواطنيين الخليجيين رأي ومبادرة وقرار في أية مسألة أو قضية، خاصة فيما يهم علاقات مواطني دول المجلس مع بعضها البعض. هذا الأمر هدفه استدامة العلاقات الأبدية بين أبناء دول المجلس دون أن تعتمد القرارات المصيرية على مزاجات وقرارات الحكام والأمراء فقط، وإنما يجب ان تمر عبر هيئة تشاورية وتتمتع بالاستقلالية والحوكمة أيضا. وهذا مقترح يجب دراسته من الحكومات الخليجية.
ما يهمنا اليوم هو أن نتناول الجوانب الاقتصادية والاستثمارية التي يمكن أن تتحقق بعد هذه المقاطعة التي مرت بها دولة قطر الشقيقة، خاصة وأن الأزمة مكثت أكثر من ثلاث سنوات، ونتج عنها خسائر عديدة للمواطنين والمؤسسات الاقتصادية والاجتماعية الخليجية سواء في دولة قطر أو خارجها، بجانب الاضرار التي لحقت بدول عربية أخرى. ولقد أدت الازمة الخليجية إلى نفور مليارات الدولارات من المنطقة، والتي كانت باستطاعتها تغيير الواقع السياسي والاقتصادي الخليجي. وعلينا اليوم الإسراع في تبني السياسات التي ستؤدي إلى تعزيز المعاملات بين الخليجيين، وتحويل المصالحة إلى فرصة للانتعاش والاستثمار وجني الأرباح وفرص عمل للخليجيين.
لقد جاءت الأزمة في فترة ما زالت تعاني منها دول المجلس نتيجة لاستمرار الحرب على اليمن الشقيق من جهة، وتراجع أسعار النفط العالمية التي بدأت في منتصف عام 2014 من جهة أخرى، فيما تركت جائحة كوفيد 19 منذ عام مضى تأثيرات سلبية أخرى على الاقتصادات الخليجية والعالمية.
وربما كانت الدوحة أقل المدن تأثراً في المنطقة من جراء ذلك نتيجة للمشاريع الضخمة التي تقام هناك في مختلف القطاعات الاقتصادية التي تهدف إلى التنويع الاقتصادي. فدولة قطر بالرغم من صغر مساحتها الجغرافية، إلا أنها تمثّل قوة اقتصادية في المنطقة، ولها من المعاملات التجارية والاستثمارية الكبيرة مع دول المجلس ودول العالم الأخرى نتيجة لتمتعها بقدرات مالية من حيث الدخل الكبير من الغاز، وقوتها في مجال الاستثمارات الخارجية. فقبل الازمة الخليجية وبالتحديد في عام 2016، فقد بلغ حجم التبادل التجاري بين دولة قطر والعالم نحو 324 مليار ريال قطري (89 مليار دولار)، بحيث كانت حصة دول الخليج منها 11.7%.. فقطر تقوم باستيراد العديد من البضائع والمنتجات من دول الخليج مشكلة ما نسبته 27% من إجمالي الوارادت، فيما تصل صادراتها إلى دول المجلس نسبة 9% من الاجمالي. كما تمكنت قطر خلال السنوات الماضية استقبال أكثر من 1.3 مليون مواطن خليجي، ولها من الاستثمارات الضخمة في الخليج والدول العربية في المجالات السياحية والعقارية واللوجستية (الموانئ) والصناعية والمصرفية وغيرها، وأن قرار فتح الحدود والموانئ البحرية والجوية والبرية الخليجية سوف يؤثر على حركة المواطنيين والأعمال التجارية وعلى حركة الاستثمارات التي تعطلت بعضها نتيجة للأزمة، الأمر الذي سوف يعزّز من عمل السوق الخليجية المشتركة التي تتطلع إليها الدول والمواطن الخليجي بشكل عام.